يا أيها الغافل عن نفسه ، الغرور بما هو فيه من شواغل هذه الدنيا ، المشرفة على الانقضاء والزوال ، دع التفكير فيما أنت مرتحل عنه ،واصرف الفكر إلى موردك ،فإنك أخبرت بأن النار مورد للجميع . إذ قال سبحانه و تعالى [ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا (مريم :71ـ 72 ) فأنت من الورود على يقين ، ومن النجاة في شك، فاستشعر في قلبك هول ذلك المورد، فعساك تستعد للنجاة منه ، وتأمل في حال الخلائق ، وقد قاسوا من دواهي القيامة ما قاسوا ، بينما هم في كربها وأهوالها وقوفا ، ينتظرون حقيقة أنبائها ، وتشفيع شفعائها ، إذ أحاطت بالمجرمين ظلمات ذات شعب ، وأظلت عليهم نار ذات لهب ، وسمعوا لها زفيراً يفصح عن شدة الغيظ والغضب ، فعند ذلك أيقن المجرمون بالعطب ، حيث جثت الأمم على الركب ، حتى أشفق البرءاء من سوء المنقلب ، فهناك تسوق الزبانية المجرمين إلى العذاب الشديد ، وينكسونه في قعر الجحيم ويقولون [ ذق إنك أنت العزيز الكريم ( الدخان 49) فأسكنوا دارا يوقد فيها السعير ، شرابهم فيها الحميم ، ومستقرهم الجحيم ، شدت أقدامه إلى النواصي ، واسودت وجوههم من ظلمة المعاصي ، ويصيحون في نواحيها و أطرافها :" يا ملك قد نضجت منا الجلود ، يا مالك أخرجنا منها فإنا لا نعود " فتقول الزبانية :" هيهات لات حين أمان ، ولا خروج لكم من دار الهوان ، فاخسئوا فيها ولا تكلمون ، ولو أخرجتم منها لكنتم إلى ما نهيتم عنه تعودون " فعند ذلك يقنطون ، وعلى ما فرطوا في جنب الله يتأسفون ولا ينجيهم ولا يغنيهم الأسف ، يدعون بالويل والثبور ، وتغلي بهم النار كغلي القدور ، تهشم بمقامع الحديد جباههم ، فيتفجر الصديد من أفواههم ، وهم مع ذلك يتمنون الموت فلا يموتون ، فكيف بك لو نظرت إليهم وقد اسودت وجوههم أشد سواداً من الحميم ، وأعميت أبصارهم ، وأبكمت ألسنتهم ، وكسرت عظامهم ، ومزقت جلودهم ، ولهيب النار سار في بواطن أجزائــــهم.
اللهم أجرنا من النار ، اللهم أجرنا من النار ، اللهم أجرنا من النار
اللهم صل على محمد وآله وصحبه أجمعين